الأحد، 15 أبريل 2018

لويس فيفيس: شعلة أضاءت نهضة أوربا


المؤسسة التعليمية الإسبانية لويس فيفيس بمدينة العرائش


   محمد عزلي


يقول خوان لويس فيفيس: [إن جهل لغات الكُتَّاب العظماء، جعلنا لم نفهم رسائلهم ونصائحهم حول الطريق الذي يجب أن نسلكه، والغاية التي يجب تحقيقها. إن جهل هذه اللغات حرمنا تقريبًا من معرفة هؤلاء المؤلفين الذين كتبوا أعمالهم الأدبية الضخمة باللغة اليونانية أو اللاتينية، وسلموها إلى الأجيال التي تَلَتْهُم. هذه اللغات مع استمرارية العديد من الحروب، سقطت ضحية للإهمال التام (...) إلى أن فُقدت في إيطاليا والغرب كله. (...) هذه الهمجية الجامحة الغبية أحدثت دمارا هائلا، أضرمت النار في المكتبات وخربت المدن والممالك كلها، إنه إجرام الشر ذلك الذي يضرم الحريق إلى حد الرماد في أعمال النوابغ العظام (...) لكن الخسارة أو التعتيم الشديد لهاتين اللغتين المهيبتين، اللاتينية واليونانية، جلبت حتما الظلام والإحباط في الفنون والتخصصات التي كان لها حضور في تلك اللغات، وفقدت الكلمات معناها الدقيق لحساب أخرى غير معروفة، بلهاء، وقبيحة] كتاب "من التخصصات De las disciplinas" 1531[1].


لوحة لخوان لويس فيفيس معروضة بمتحف ديل برادو [مدريد / إسبانيا]


خوان لويس فيفيس 1492-1540 أحد أقطاب الفكر الإنساني أو الإنسانوي، أستاذ، كاتب، وفيلسوف، ولد ونشأ بمدينة فالنسيا الإسبانية من أسرة يهودية ثرية عرفت بالتجارة والتدين، كان قدَره أن عاصر حقبة محاكم التفتيش التي أجبرته وأسرته على التحول إلى المسيحية تجنبا للطرد وخوفا على أرواحهم وممتلكاتهم، غير أن الأسرة حافظت على عقيدتها اليهودية ومارست طقوسها سِرّاً في دير أقاموه بالمنزل رعاه ابن عمه الحاخام ميغيل فيفيس، هذا الأخير سيُكتشف أمره رفقة والدته لتبدأ مرحلة متابعة عائلة فيفيس من قبل محاكم التفتيش.

كان لويس فيفيس في هذا التوقيت بالذات قد بلغ السابعة عشرة من عمره سنة 1509، حيث كان يواصل دراسته بجامعة فالنسيا الفتية آنذاك والتي درس فيها لمدة عامين، قبل أن يقرر والده - القلق بشأن مصير العائلة - إرساله إلى باريس لمواصلة مساره التعليمي بجامعة السوربون (قبلة الطلبة الأوروبيين المحظوظين)، وهي المؤسسة التي تخرج منها دكتورا سنة 1512، قبل أن ينتقل للاستقرار بمدينة بروج البلجيكية ملتحقا بالتكتل الذي كونته بعض العائلات من تجار فالنسيا الفارين من جحيم الكنيسة الكاثوليكية.

سنة 1523 بدأ لويس فيفيس مسيرته المهنية في التعليم إذ عين أستاذاً بجامعة أوكسفورد البريطانية، بل وتم تكليفه بكلية كوربوس كريستي التابعة لها من قبل الكاردينال توماس وولسي [2]، كما عُين مستشارا لهنري الثامن ملك إنجلترا 1491-1547، وهكذا تمكن لويس فيفيس من إيجاد فضاء آمن لإثبات وجوده والتطور بشكل جيد في أبحاثه العلمية ومشاريعه المعرفية، وفي هذه المرحلة أيضا أصبح صديقا لتوماس مور[3]، ولملكة إنجلترا كاتالينا دي أراغون 1485-1536 التي بسببها سيخسر عمله وحريته بعد أن أدلى برأيه المعارض لطلاق الملك منها وزواجه من الملكة آن بولين 1500-1536.

بعد الإفراج عنه سنة 1524 رفض لويس فيفيس عرض صديقته كاتالينا بالبقاء في القصر الملكي، وقرر العودة فورا إلى بروج، لكن هذا الموقف لم يمنعه من قبول مساعدة الملكة له من خلال تسهيل تصاريح التجارة التي بدأ يمارسها، فكان يستورد الخمور والصوف إلى إنجلترا ويصدر القمح إلى القارّة الأوربية، وهو الأمر الذي أدى إلى تحسن وضعه المعيشي والاجتماعي من جهة، ومن جهة ثانية تمكن من إعادة ربط جسور التواصل مع أصدقائه وتلامذته، وفي نفس السنة 1524 تعرف لويس فيفيس على الحسناء مارغاريتا مالدورا من نبلاء مدينة بروج التي تزوجها في نفس العام.

سنة 1526 شهدت على الأحداث الأكثر مأساوية من حياة لويس فيفيس، ففيها أدين والده وأحرق من قبل محاكم التفتيش التي شكلت كابوسه الخالد، كيف لا وقد بلغت بهم السادية إلى نبش قبر والدته المتوفاة سنة 1508 وإخراج جثتها بعد 21 سنة من تاريخ دفنها ليتم حرق جثمانها عام 1529. في هذا العام أيضا 1526، علم لويس فيفيس بحكم الإعدام الصادر في حق صديقه توماس مور بتهمة معارضته هو الآخر لطلاق الملك من كاتالينا، وقد كان في هذه الأثناء معلم اللغة اللاتينية لابنتها ماريا تيودور 1516-1568، الشيء الذي جعل لويس فيفيس يفر مجددا إلى بروج بنفسية مكتئبة رافضا عروض التدريس وخاصة من جامعة ألكالا دي هيناريس بإسبانيا موطن الرعب بالنسبة إليه. وفي هذه المرحلة تحديدا أخرج كتابه المرجعي "إغاثة الفقراء Subventione pauperum" الذي جعل منه أول شخص في أوربا يضع تصميما تطبيقيا لخدمة المساعدة الاجتماعية المنظمة، فكانت بالفعل خطوة أولى لمنهجة تدخل الدولة في المجال التضامني ومساعدة المحتاجين.

وفي محاولة لمساعدة صديقته الملكة كاتالينا، كتب فيفيس إلى كارلوس الخامس الإمبراطور الروماني المقدس 1500-1558 عدو الملك هنري، وإلى بابا الفاتيكان كليمنت السابع 1478-1534 لكن الكاردينال وولسي منعه ورأى أن جهوده عديمة الجدوى، وأن الملك لن يتخلى مطلقا عن الطلاق، فحاول إقناع الملكة بقبوله، لكن هذه الإستراتيجية أزعجت كل من هنري وكاتالينا مما تسبب في حرمانه من المعاش الملكي وطرده من إنجلترا، وهو الأمر الذي جعله يسرع إلى كارلوس طالبا الحماية، متودِّداً بإهدائه إياه أطروحته الموسومة "التهدئة De pacificatione" سنة 1529، وقد نجح في مسعاه بضمان أمنه إضافة إلى أجر سنوي قدره 150 دوكادوس كانت تقضي حسب تعبير لويس فيفيس نصف حاجياته الضرورية.

عاش خوان لويس فيفيس العقد الأخير من حياته في ظروف صحية سيئة آلت به في النهاية إلى المنية في 6 من ماي سنة 1540 حيث شيع ودفن في كنيسة سان دوناثيانو [بروج / بلجيكا]، لكنه اشتغل خلال تلك الفترة كثيرا على الفكر الإنساني مركزا على غرس وتكريس الفلسفة والأخلاق لإصلاح التعليم الأوروبي، فهو من اقترح دراسة أعمال أرسطو بلغته الأصلية وأخرج لأجل هذا الغرض كتابه الشهير "ممارسة اللغة اللاتينية Lingva latina exercitatio" الذي مكن من تدريس اللاتينية للطلبة بدل نصوص القرون الوسطى معتمدا على تحيين المصطلحات والمفاهيم بشكل يتماهى مع لسان العصر، وهو الكتاب الذي طبع  65 مرة بين 1538 و 1649. كما اعتُبِر فيفيس عرَّاب إصلاح السوربون حيث نادى بتوفير التعليم عالي الجودة، وتقعيد الفلسفة علماً ومنهجية.

 


تمثال خوان لويس فيفيس نحته جوسيب إيكسا شينيغو، فالينسيا / إسبانيا


مؤلفاته

·Opuscula varia (Lovanii, 1519).

·Adversus pseudodialecticos (Selestadii, 1520).

·Introductio ad sapientiam (Lovanii, 1524).

·De subventione pauperum. Sive de humanis necessitatibus libri II (Brugis, 1526).

·De Europae dissidis et Republica (Brugis, 1526).

·De institutione feminae christianae, traducida al castellano en Valencia en 1528.

·De concordia et discordia in humano genere (Antuerpiae, 1529).

·De pacificatione (Antuerpiae, 1529).

·Quam misera esset vita christianorum sub Turca (Antuerpiae, 1529).

·De disciplinis libri XX (Antuerpiae, 1531).

·De anima et vita (Basileae, 1538).

·Lingvae latina exercitatio.

·De Europeae statu ac tumultibus.

 

[1] Miguel Artola. Textos fundamentales para la Historia. Alianza Universidad Textos. Madrid 1982. T7. P175. (ترجمة الفقرة: محمد عزلي)

[2] الكاردينال توماس وولسي 1471-1530 قاضي وكاهن كاثوليكي إنجليزي، تولى تسيير مجلس الوزراء الكاتدرائي، مستشار الملك البريطاني هنري الثامن.

[3] توماس مور 1478-1535 صاحب كتاب (يوتوبيا) فيلسوف، مؤرخ، عالم دين، روائي، شاعر، سياسي، ورجل دولة اشتغل في القانون والقضاء والدبلوماسية، كما شغل منصب مستشار الملك البريطاني هنري الثامن الذي سجنه وقطع رأسه.

 

 مراجع

·         G. Bleiberg y J. Marías, Diccionario de Literatura Española, Madrid: Revista de Occidente, 1994.

 

 ·         Vives, Juan Luis; Calero, Francisco (1999). Obras políticas y pacifistas. Madrid: Ediciones Atlas - Biblioteca de Autores Españoles.

المؤسسة التعليمية لويس فيفيس بالعرائش

شيدت هذه البناية الأنيقة قبل قرن من الزمن لتشغل وظيفة مؤسسة عسكرية للرعاية والتعليم في عهد الحماية الإسبانية بالعرائش خلال القرن العشرين [باتروناتو مليتار Patronato Militar de enseñanza] ثم تحولت إلى مؤسسة تعليمية إسبانية مدنية في عهد الاستقلال، وهو الدور الذي لازالت تشغله إلى يومنا هذا، حيث أضحت مؤسسة لويس فيفيس بمسماها الحالي، واحدة من أفضل مؤسسات التعليم محليا ووطنيا بشهادة ثلة من المختصين في القطاع ومجموعة كبيرة من تلامذة المؤسسة وأطرها من كل الأجيال.























تمثال لخوان لويس فيفس في بروج / بلجيكا



تمثال لويس فيفبس بباب المكتبة الوطنية الإسبانية، مدريد / إسبانيا





















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق