بقلم : محمد عزلي
تعامل الاحتلال الإسباني مع وجوده
بمدينة العرائش بقناعة المسيطر الذي لا نية له أبدا
في ترك المستعمرة، بقناعة من سيدخل دون رجعة كما فعلوا بسبتة و مليلية و باقي
الثغور المحتلة، فأخذوا
على عاتقهم إرساء دعائم الاقتصاد، " صناعة، فلاحة، صيد بحري، مبادلات" و
تهيئ بنيتها التحتية، " مطار، سكة حديدية، قناطر و طرق، ميناء كبير"..، ثم استقدموا أعظم مهندسيهم و أكبر مقاولات البناء لتأسيس
مجال حضري على أعلى مستوى " سوق نموذجي، مسرح، قاعات سينمائية، نوادي ترفيهية،
كازينوهات، كنائس..." ثم أسست بمنهجية عالية كل ركائز الحياة المدنية و
العسكرية " ثكنات، مستشفيات، مدارس، ثانويات و معاهد، ومجمعات سكنية حسب
الأعراق و الإمكانيات و الرتب الاجتماعية.. "
و في خضم هذا المخطط المحكم من التطور
السريع و المشاريع و الأشغال الكبرى، أنجز هذا المشروع الضخم ( مطحنة اللوكوس ) FABRICA DE
HARINAS Y ARROZ سنة 1928 كوحدة صناعية عملاقة متخصصة في إنتاج
أجود أنواع الحبوب و الدقيق و الأرز، وهي إحدى إبداعات
المهندس العالمي الأكثر شهرة في جيله Eduardo Torroja Miret ( إدواردو توروخا ميريت ) وهو من مواليد مدريد ( 27 غشت 1899 - 15
يونيو 1961)، مهندس مدني تخرج من كلية الهندسة المدنية للقنوات والموانئ بمدريد.
أستاذ، باحث، كاتب، مقاول، و مستثمر.. منحه نظام فرانكو بعد وفاته لقب ماركيز
تقديرا لعمله المتميز في مجال الهندسة المدنية.
صورة للمهندس ( إدواردو
توروخا ميريت )
في زمن ( توروخا ) ربما كان أكبر متخصص في الخرسانة على مستوى
جميع أنحاء العالم، حيث درست أعماله و مناهجه لكل الأجيال اللاحقة من المهندسين
المدنيين الذين ساروا على نسقها و عملوا على تطويرها.
أنجز ( توروخا ) مشروع مطحنة اللوكوس بتكليف مباشر من القيادة
العليا بمدريد، و قد شكلها من قسمين رئيسيين أولها للإدارة و تخزين الحبوب، و
الثانية لتصنيع مختلف أنواع الدقيق الممتاز، و قد ربطت بشبكة السكك الحديدية
لتسهيل عملية الشحن و التوزيع و الاستيراد و التصدير، و ظلت البناية شامخة في المجال العمراني الحضري
كأعلى و أضخم بنيان خرساني في القرن العشرين بمدينة العرائش.
إلا أن حاضرها يشوبه الكثير من الغموض و الضبابية بفعل المشاكل
المعقدة التي عرفها انتقال ملكيتها بين الأفراد و المؤسسات و علاقتها بالمديونيات
و الأحكام القضائية، غموض طال أمده في ردهات المحاكم التي تبث في قضايا أصحاب الحقوق من عمال و
دائنين و أصحاب ملك، و إن كانت الأمور سارت بالفعل من مرحلة التسوية إلى التصفية
القضائية لتنتقل أخيرا إلى مالك جديد يعد أحد أقوى المستثمرين المغاربة في الحبوب
و الدقيق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق