قراءة في وثيقة بقلم: عبد الحميد بريري
[طابع مكتوب بداخله: الحسن بن محمد وليه الله
ومولاه]
{الفقيه
الارضى القاضي بالعرائش السيد عبد السلام الساحلي سددك الله وسلام الله عليك ورحمة
الله وبعد فقد بلغ لعلمنا الشريف إن ما كان رتبه سيدنا الجد قدسه الله من قراءة
وظيفة الشيخ أبي الحسن الشاذلي الكبرى عقب صلاة الفجر هنالك بالمسجدين الأعظم
والعتيق وما رتبه أيضا من ذكر إسمه على اللطيف ذي العدد الصغير عقب صلاة العشاء كل
ليلة وما رتبه سيدنا رحمة الله لمن يقرا النظم الدعائي الذي أوله: يا من إلى رحمته
المفر ومن إليه يلجأ المضطر عقب الفراغ
من قراءة الحزب بعد صلاة المغرب كل ذلك لم يبق بحاله واستحال أمره إلى التعطيل
وعليه فإن كان باقيا بحاله فذاك وإلا فيترك لأصله الأول كما رتبوه رضوان الله
عليهم لتعود بركة ذلك على المسلمين إن شاء الله وقد أمرنا الأمناء بذلك فنامرك أن
تكون على بال من جميع ذلك حتى لا يعطل شيء منه في أوقاته المعينة ومن مات من
المكلفين بهاتيك الوظائف يخلف بغيره مستجمعا للأوصاف ومن مرض أو عن له سفر يستنيب
عنه من يقوم مقامه حذرا من التعطيل والله ولي التوفيق والهادي إلى سواء السبيل
والسلام في 20 صفر الخير عام 1302}
·
المصدر:
الشرفاء اليملاحيون ودورهم في العرائش مذكرة المختار اليملاحي ط/1 سنة 2007
ألطوبريس ص:72
·
نوعية
النص: رسالة توجيهية
·
ظروف النص:
الرسالة كتبت في ظل ظروف عاشها المغرب وهي التهافت الاستعماري ومحاولة استئثار بعض
الدول الأوروبية بمصالحها في المغرب عبر محمييها وسماسرتهم الذين بدأوا يتكاثرون
كالفطر وعلى رأسهم فرنسا، مما شكلوا تهديدا للسيادة المغربية. وتعتبر العرائش
والمراسي المغربية الاستراتيجية قريبة أكثر من غيرها من هذه الأطماع وهذا التسرب.
لذا اتخذ الحسن الأول مجموعة من الإصلاحات في شتى الميادين لحماية البلاد في الوقت
الذي سقطت معظم الدول العربية في يد الاحتلال الأجنبي.
·
مصطلحات:
-
عبد السلام الساحلي هو القاضي عبد السلام بن العربي اليملاحي من مواليد العرائش (1279
- 14 جمادى الثانية 1305ه) كان يلقي دروسا في الفقه والنحو والبلاغة في الجامع
الكبير بالعرائش، ويشرح قصيدتي البردة والهمزية. (مذكرة المختار اليملاحي المرجع
السابق ص: 56).
-
رتّبه: رتّب جاءت هنا بمعنيين في الرسالة؛ الأول: أثبته وأقره بنظام، الثاني: خصص
له مبلغا من المال على قراءة الورد والدعاء.
-
سيدنا الجد: السلطان عبد الرحمان بن هشام
-
وظيفة: ورد من الأذكار والأدعية
-
المسجدان الأعظم والعتيق: الجامع الكبير ومسجد الأنوار (الكويت)
-اللطيف
ذي العدد الصغير: اللطيف الصغير لابن حجر العسقلاني صاحب المذهب الشافعي.
-
سيدنا: السلطان محمد بن عبد الرحمان.
-
النظم الدعائي: يقصد به الدعاء الناصري الذي لا زال يتلى اليوم بعد صلاة المغرب.
-
الامناء: أمناء مرسى العرائش باعتبارهم آمرين بالصرف.
-
مستجمعا للأوصاف: متوفر في المكلف شروط قراءة الورد أو الدعاء.
-
1302 هجرية توافق 1885 ميلادية.
·
مضمون
النص:
جاء
في رسالة السلطان مولاي الحسن الموجهة إلى قاضي العرائش آنذاك عبد السلام اليملاحي
الساحلي بعد ما حلاه ب "الفقيه الأرضى" والدعاء له بالسدد والسلام عليه،
أنه تناهى إلى سمعه بتعطيل قراءة وظيفة الشيخ أبي الحسن الشاذلي الكبرى بعد صلاة
الفجر بالجامع الكبير والمسجد العتيق(الأنوار)، وذكر اسم اللطيف ذي العدد الصغير
بعد صلاة العشاء وقراءة الدعاء الناصري بعد صلاة المغرب الذي مطلعه: يامن إلى
رحمته المفر# ومن يلجأ إليه المفر
بعدما أثبت وأقر السلطان مولاي عبد الرحمان
تلاوة الوظيفة الشاذلية وذكر اللطيف، ونفس الشيء قام به السلطان المولى محمد مع
قراءة الدعاء الناصري. فهذا كله لم يعد كما كان، يقول السلطان المولى الحسن، وأصبح
معطلا فإن لم يزل كما كان فلا شيء عليه، أما إذا عطل بالفعل فيعطي السلطان من
القاضي بالعرائش أمره بإبقاء ذلك كما كان؛ إيمانا منه ببركة تلاوة ذلك على
المسلمين في الزمن والمكان المذكورين، ومخبرا القاضي بأنه أصدر أمره للأمناء
بتوفير المورد المالي لهذا العمل ومنبها إياه بالإشراف على هذا الأمر من جميع
جوانبه وعرض عليه طريقة معالجة حالة غياب أحد القيمين على ذلك كالتالي:
1
- إذا مات أحد المكلفين يخلفه آخر متوفرا على شروط القيام بذلك.
2
- إذا غاب أحد المكلفين لمرض أو لسفر ينيب عنه من يقوم مقامه.
ويضيف السلطان أن اتخاذ مثل هذه التدابير خشية من توقف تلاوة هذه الأدعية والأذكار، وفي الختام طلب من الله الهادي التوفيق والى السير على الطريق السوي وكان ذلك يوم 20 صفر 1302ه.
النص
يبرز لنا نموذج من سلسلة الإصلاحات وتقويم الاختلالات التي كانت تعرفها مرافق الدولة،
التي قام بها المولى الحسن الأول. فإذا كانت
برامج الإصلاح شملت الميادين الإدارية والعسكرية والثقافية والاجتماعية وقد أشارت
إلى ذلك عدة كتابات تاريخية. فالنص تطرق
هنا إلى جانب جديد يظهر أنه كان في صلب اهتمام مولاي الحسن هو تربية المسلم تربية
إيمانية أي إصلاح نفوس المغاربة وتحصينها من كل اختراق ديني وثقافي لمواجهة خطط
الهيمنة التي ترسم له. فبالوظيفة الشاذلية الكبرى واللطيف ذي العدد الصغير والدعاء
الناصري التي كلها أذكار وأدعية لعلماء وصالحين: أبو الحسن الشاذلي وابن حجر
العسقلاني ومحمد بن ناصر الدرعي، يطلب بها من الله دفع الضرر وإزالة المحن التي ابتلي
بها المغرب الممثلة في هذه الأطماع وهذا الجيش من المحميين وسماسرتهم الذين هم في
خدمة الأهداف الاستعمارية، وفي نفس الوقت إصلاح نفس المسلم وتزكيتها للترفع عن مثل
هذه الممارسات التي سلكها هؤلاء المصلحيين الذين باتوا محل نقد واستنكار واستهجان
من طرف العلماء والمثقفين.
و"تأتي
أهمية الذكر" كذلك "من كونه الرافد الدائم، للمخزون الإيماني، والمحرك
الموقظ لدواعي الطاعة، والحصن الذي يلوذ به المؤمن حينما تداهمه المصائب، و تعترضه
عقبات الطريق، ويقعده طائف الشيطان ولماته، إن العبد حينما يكون ذاكرا لله في كل
أحيانه قد شغل نفسه وألزمها بأذكار وأوراد من تسبيح وتحميد وتهليل وصلاة على
الرسول صلى الله عليه وسلم، ومداومة على المسنون من الأذكار فإن ذلك يبقي قلبه
حيا، ويديم إيمانه نضرا يقظا، فإذا ما اعترته أهواء النفس البشرية التي بين جنبيه،
أو اجتالته الشياطين التي لا تفتر عن محاربته وعداوته، انتفض ذلك القلب الذاكر
شامخا بإيمانه، مستعليا على شهوات نفسه، مدافعا لنفثات الشيطان وهمزاته." وهو
الأمر الذي انزلق نحوه المحميين.
وهذا
هو المراد من إحيائه في مسجدي العرائش وفي ثغر من أهم الثغور الاستراتيجية انفتاحا
على التجارة الخارجية، حيث بتواجد هؤلاء المحميين الذين ينذرون بالشؤم والويل لهذا
البلد وإسقاطه في يد الطامعين. وهو الوضع الذي سينتج عنه فرض الحماية على المغرب
وتقسيم ترابه لعدة مناطق التي مازالت تداعيته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية
تلقي بظلالها إلى اليوم.