[صورة المنشور بعدسة: محمد الرزاني 2020]
دة. حفيظة الدازي
جامعة ابن طفيل/كليــة الآداب والعلوم الإنسانية القنيطرة/شعبة التاريخ والحضارة/2019-2020.
إن التحولات التي شهدها القرن 15
م جعلت النشاط التجاري والملاحي ينتقل من حوض البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الأطلسي
مما أدى إلى ازدياد أهمية مرسى العرائش الذي أصبح له حضور في الملاحة المغربية.
معظم المصادر تتحدث عن أهمية هذا المرسى وخاصيته، فهو يتميز بموقعه الاستراتيجي
ووفرة مواده الطبيعية الفلاحية والملاحية، كما يتوفر على حوض داخلي وله قدرة على
إيواء العديد من السفن التي تحتمي به من الرياح والعواصف، مما أهله للاضطلاع بأدوار
اقتصادية وعسكرية وجهادية عبر مختلف العصور.
مع بداية القرن 16 م أصبح مرسى
العرائش نقطة جذب للتجار الأوروبيين مثل التاجر لويس دي بريسيندا الذي استقر بفاس فيما
بين 1510 و1515 م وفتح محلا تجاريا بها، ثم أصبحت سفنه تنتقل بين مراسي جنوة وقادس
وسبتة وأصيلا والعرائش وسلا، وكانت له بكل واحد من هذه المراسي وكالة تجارية (ادريس
شهبون، مرسى العرائش النشأة والتطور، ندوة المن المراسي في تاريخ المغرب، 2010، ص
149). تفيد كثير من الوثائق البرتغالية والإسبانية أن ثغر العرائش كان الهدف الاستراتيجي
الأول الذي سعى الملك البرتغالي دون سبستيان (1554- 1578م) هو الاستيلاء عليه حسب
ما جاء في إحدى رسائله إلى الملك الإسباني فليب الثاني " إن أفضل وسيلة لمنع الأتراك
من الاستيلاء على مراسي مملكة فاس، هي احتلال العرائش، التي تتوفر على مرسى استراتيجي
وموقع جيد" sources inédites de l'histoire du Maroc
,dynastie saadienne نقلا عن ادريس شهبون، مرجع سابق.
كما أولى السعديون اهتماما لمرسى
العرائش، فعبد الملك أمر بإنشاء السفن بها لممارسة الجهاد بتعاون مع الأندلسيين.
بعد معركة واد المخازن حصنها أحمد المنصور وجعل منها قاعدة حربية وجمع بها الأسطول.
تظهر أهمية مرسى العرائش من خلال المحاولات
الكثيرة للإسبان للسيطرة عليها، وقد قام فليب الثاني 1527- 1598م بعدة مناورات
دبلوماسية وعسكرية للسيطرة عليها وقال عنها:" العرائش وحدها تساوي إفريقيا
كلها" لأن موقعها الاستراتيجي كان يسمح بمواجهة الخطر التركي ومنافسة بعض
الدول الأوروبية وحماية السفن الإسبانية العابرة للمحيط الأطلسي من خطر القرصنة.
لهذه الأسباب طلبت دول أخرى مثل تركيا وهولندا وانجلترا من أحمد المنصور أن تقيم
بها قاعدة بحرية عسكرية.
تمكنت إسبانيا من الاستيلاء على
هذه المدينة خلال الأزمة التي عرفها المغرب بعد وفاة أحمد المنصور سنة 1603م،
عندما عرضوا مساعدتهم على محمد الشيخ المامون مقابل تسليمهم ثغر العرائش وذلك سنة1610م،
وقد كان لهذا الحدث وقع كبير على نفوس المغاربة الذين لم يستسيغوا تسليم ثغر مسلم
للكفار.
أما اسبانيا فاستغلت هذا الثغر وحولته إلى قلعة عسكرية ضد هجومات المجاهدين
وحماية سفنها. كما قامت في القرن 17 م بمجموعة من التصاميم لإصلاح هذا المرسى. لكن
رغم كل هذا فإن المدينة عاشت حالة حرب طيلة فترة احتلالها لمقاومة المغاربة للإسبان.
لم يتم تحريرها إلا في عهد المولى إسماعيل سنة 1689م واتخذها مرسى عسكري بدل طنجة
التي خربها الإنجليز قبل مغادرتهم لها سنة 1684م. هكذا استعادت العرائش نشاطها الملاحي
الذي ازداد مع فترة حكم سيدي محمد بن عبد الله الذي تبنى سياسة الانفتاح على
البحر. تمثلت عنايته بهذا المرسى في عدة إصلاحات من تحصين وتعمير، كما أقام قواعد
مدفعية لحماية مدخل المرسى وترسانات لصناعة وإصلاح السفن والقوارب. إلى جانب الأدوار
الجهادية لمرسى العرائش كان لها أيضا حضور على المستوى الجاري.
[المغرب: التاريخ البحري ص: 22-24]