الأحد، 7 أبريل 2024

الشاعر أحمد الشرقي 1936-2024

 


بقلم: محمد عزلي

تلقيت اليوم ببالغ الحزن والأسى نبأ وفاة أستاذنا الجليل الحاج أحمد الشرقي أحد رموز أسرة التربية والتعليم وأحد أعلام الثقافة والأدب والشعر في مدينة العرائش

الحاج احمد الشرقي من مواليد يناير 1936 بالعرائش، بدأ مشواره الدراسي في المدرسة الإسبانية بالعرائش، ثم واصل بمدرسة البعثة الفرنسية قبل أن يلتحق بالمعهد المغربي للدراسة الثانوية بالعرائش سنة 1953، وبعد حصوله على باكالوريا الآداب العصرية واصل دراسته الجامعية في العلوم القانونية، وعلى المستوى المهني وبعد حصوله على شهادة الكفاءة التربوية سنة 1961 عمل الفقيد معلما في مدن أكادير، طنجة، القصر الكبير، والعرائش، ثم أصبح حارسا عاما للسلك الأول بثانوية مولاي محمد بن عبد الله بالعرائش من 1962 إلى 1972، ثم حارسا عاما للسلك الثاني بثانوية الرازي بسطات من 1972 إلى 1975، وفي سنة 1975 سيصبح مديرا لمجموعة مدارس دار الشاوي قبل أن يعود مرة أخرى لمسقط رأسه العرائش سنة 1977 حيث عمل مديرا لمدرسة مولاي عبد السلام إلى غاية 1986، لينهي مساره المهني كرئيس للكتابة الخاصة بالنيابة الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بالعرائش من 1986 إلى 1996.

عرف الفقيد في حياته بنشاطه الثقافي وإنتاجه المعرفي في مختلف أصناف الأدب وخاصة الشعر حيث أصدر مجموعة من الدواوين نذكر منها آخرها: "صحوة الوفاء" و "معبد العشق"..

تحصل الفقيد على وسامين ملكيين: 1- وسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الأولى سنة 1986. 2- وسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الممتازة سنة 1996.

الفقيد الحاج أحمد الشرقي توفي يوم السبت 26 رمضان 1445هـ / 06 أبريل 2024، وشيعت جنازته من مسجد الوفاء بالعرائش، ودفن بمقبرة سيدي العربي بعد ظهر يوم الأحد27 رمضان 1445هـ / 07 أبريل 2024م

تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وأحبابه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.







النزعة الصوفية في القصائد الدينية للشاعر احمد الشرقي

قراءة في القصائد الروحية لديوان معبد العشاق

بقلم: عزيــــز قنجـــــاع

نشر في موقع العرائش نيوز بتاريخ 08أكتوبر 2021

اذا كانت اشكالية التصوف المشرقي اختصت في ذات الله و اسمائه فان التصوف المغربي اختص بسره ودليله ومبدأ المعرفة به رسوله صلوات الله عليه  وسلم، فمنذ تربع مولانا عبد السلام بن مشيش على عرش القطبية وتصليته المعروفة بالصلاة المشيشية والتي تجعل مركز وجوهر المعرفة بالله في سره الذي به شاع نوره و هذا السر هو النبي الاعظم محمد خاتم النبيئين حيث يقول مولانا عبد السلام بن مشيش ” لولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط” وهذه الرؤية الصوفية المغربية هي التي غزت العالم الاسلامي و عادت الينا تحت اسم الشاذلية نسبة الى تلميذه ابي الحسن الشاذلي، وقد عظم المغاربة الرسول الكريم ايما تعظيم وجد اكتماله الظاهر في كتاب دليل الخيرات للإمام ابي عبد الله محمد بن سليمان الجزولي السملالي وقبله الصلاة المشيشية و بعده الدعاء الناصري ومال قليلا درقاوة وطريقتهم كان هذا استثناء – في التركيز على ذات الله نظرا لميل شيوخهم الى الجانب الفلسفي الاشراقي من التصوف الا ان كبيرهم سيدي احمد بن عجيبة وازن في المأخذ ومال في الكثير من كتاباته الى الطريقة المغربية في التصوف . وما تجدر الإشارة إليه ان هذا التعظيم سيجد مظهرا حسيا له في دعوة العزفيين حكام سبتة، السلطان ابي عنان المريني احد عظماء سلاطين الدولة المرينية وهم السلالة التي حكمت المغرب منذ القرن السابع الهجريفظهرت اذاك قصائد المولديات التي تختص بذكرى المولد النبوي وتتميز بسهولة التعبير وخفة الوزن، وتنشد في احتفالات المولد النبوي في الثاني عشر من ربيع الأول من كل عاموبمناسبة ذكرى مولد النبي الاعظم نطل على احد الرواد من الشعراء العرائشيين الشاعر الحاج سيدي احمد الشرقي الذي أفاض في مدح النبي وتمجيد ذكره من خلال ديوانه” معبد العشاق”.

يتفرع ديوان “معبد العشاق” الى عدة مطالب متنوعة حيث يعرج على عدة مواضيع دينية ووطنية وقصائد مدح وإخاء وقد خص ديوانه بمطالع منيرة من قصائد دينية وارفة الجمال والبلاغة والجودة فلم يخرج سيدي احمد الشرقي الشاعر الاستاذ و المربي عن الطريقة وعن الاسلوب المغربي في تعظيم النبي الاكرم فنجده مستوعبا تراثا طويلا من الابتهالات والمدائح النبوية، و قصيدة محمد رسول الله“ نموذج جميل، فالشاعر احمد الشرقي يرتقي بمقام النبي الى سر الحقيقة حيث  يقول في هذه القصيدة المنشورة في ديوانه “معبد العشق، الصادر عن مطبعة لوكوس 2019 بالعرائش” ان النبي هو الحقيقة من الله وهو سر الحقيقة فنقرأ:

سر الحقيقة ابهر دهاة الفكر وهو الحقيقة من الله في السر

هنا يلتقي احمد اشرقي في المعنى مع صاحب الصلاة المشيشية مولانا عبد السلام بن مشيش حين يرى في النبي تلك المرآة التي تجلت من خلالها اسرار الملكوت بل هو في وجوده مركز الحقيقة وتجليها ، فبقول مولانا عبد السلاماللهم صل على من منه انشقت الاسرار ” فهذا معناه ان من اخرج الحقائق من اطلاقها الازلي الى عين الوجود والى عالم الشهود هو الرسول عليه ازكى الصلوات، فبه ومن خلاله ما كان سرا صارا مكشوفا، وفي نفس السياق قال سيدي العارف بالله احمد بن عجيبة في في كتاب “الفهرسة” و في قصيدة دالية في الحضرة النبوية حاذى فيها التصلية المشيشية قال:

قد انشقت الاسرار من سر سره …. فأبدى لنا سر الالاه الممجد

وفي السفر الأول فص حكمة إلهية في كلمة آدمية وهي موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي قال” وقد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة“. فإذن ولكي تجلو المرآة من شبح الوجود الى الوجود وتتضح اسرارها اوجد الله جامع اسراره وسر وجوده النبي الاعظم، فلذلك وحسب الشاعر احمد الشرقي:

اشرقت طلعته بتباشير الخير… فأضاءت الأرجاء بالهدى والبشر

هكذا يقل الشاعر بجمالية ويسر، مضيفا في بيت اخر:

محمد صفوة الخلق خص باليسر. محمد سنا نوره من سنا البدر

وهذان البيتان للشاعر احمد الشرقي لا يخرجان عن قول مولانا سليمان الجزولي في دلائل الخيرات:اللهم صل على من فاضت من نوره جميع الانوار، وهو نفس مضمون الصلاة المشيشية التي تعتبر ان النبي هو من منه” انفلقت الانوار” لكن لا يمكن للإنسان ان يستلهم ويتطلع لنور الحضرة الالاهية التي جاء بها خير البرية، الا من امتاز بقلب يتوفر على استعدادات خاصة تؤهله للنظر والتفكر فيما جاءت تبشر بها الدعوة النبوية ففي قصيدة “اللهم ثبت قلوبنا على ذكرك” الواردة بنفس الديوان الموسوم ب ” معبد العشاق يقول:

يطرب للذكر بالله فيك منشد ...والذكر في حب الله بالقلب انسب

ويضيف:

كل يقين بالله فيك امانة.. حتى ان أضعته تشقى ثم تغضب

فالقلب هو موضع الإيمان مداره على تصفية البواطن من الرذائل وتحليتها بأنواع الفضائل وهي طريق تعبد للوصول الى اليقين، واليقين مقام الاكتمال ففيه وبه تلوح الانوار وتتكاشف الحقائق العرفانية والأسرار الربانية، فيطلب منقلبه في قصيدته هاته ان يتثبت على الذكر، ذكر الله:

ثبتك الله يا قلب على ذكره … ثباتا به يهديك فتتهذب

فالقلب إذا تهذب من الرذائل وتحلى بالفضائل أشرقت عليه الأنوار وتاب الى الله فيقول الشاعر في المعنى:

فتب لله يا قلب طوعا وارض به …فبالتوبة القلوب لا تتعذب

ويبدو جليا ان عنوان القصيدة يستلهم قول الرسول الكريم في حديث عن أنس رضى الله عنه قال: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: ((يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ))، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: ((نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ). ففي مطلع قصيدته هاته نجده يقول:

جعلك الله في الحشا تتحكم … وبالحياة يا قلب تلهو وتلعب

وفي مضان القصيدة ابيات عدة تسير في هذا الفهم فنجده مثلا يقول:

العين تغريك والهوى يضل بك… احيانا تحب وطورا تتصلب

فالقلوب على قول الرسول هي بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، لذا يسير في نفس هذا الوصف اذ يقول:

ما سماك الله قلبا يا قلب الا و … انك تقلب الدنيا وتتقلب

فينتفض لهذا المعنى الشاعر ويحث قلبه على الذكر فهو مربط القلب وحركته فيحثه قائلا” ثبتك الله يا قلب على ذكره” فالقلب هو الحبل السري الرابط بين الروح وتجليات الصفات الانسانية المستمدة من الصفات المطلقة للخالق،

ومن المثير للانتباه ان الشاعر احمد الشرقي في قصيدته” سبحان اللهمن نفس الديوان والتي خصها لذكر الله وجلال صنعه، وبعد تسبيحة تُعظم الموجودات الالاهية وفي مطلع رائع قال فيه:

سبحان من خلق الكون بكن فكان …سبحان من خلق الخلق طينا فلان.

سبحان من خلق السماء وزان …. سبحان من خلق الارض وابان

وبعد ان يسترسل في الاشارة الى عظمة الخالق وبديع تدبيره يعرج في نهاية قصيدته على الواسطة المحمدية اذ هي في مقام النور التي رأى بها الانسان الحقيقة وبها كانت الهداية فيقول:

” أرسلت محمدا نورا لهدانا …فبهذاك ربي هو قد هدانا

ومن هنا فان الشاعر احمد الشرقي لم يخرج عن الطريقة المغربية في النظم الروحي، فالقصائد الروحية للشاعر احمد الشرقي بالإضافة الى منحاها الخلقي الصوفي فهي تحاذي الحِكم المبنية على استخلاصات التجربة الفردية كما في رباعيات للخياموقد ابدع في هذا المجال بحس شاعري راق وبتمكن جمالي عالي الإحساس قال فيه الدكتور جلال المرابط ” انه ديوان يطل من خلاله الحاج احمد الشرقي على فوضى العالم، واقع يذكره بصوت الالهة ربات الشعر والجمال و الموسيقى” وقال في حق صاحب الديوان الشاعر مصطفى جديعة : ” الشاعر احمد الشرقي يكتب بنفس عميق واسترسال كبير يتكئ على مخزون معرفي هائل ، وعين لاقطة للجزئيات والتفاصيل ، فهو شاعر الذاكرة و التراث ، في تجربته نداءات لأصوات آتية من بعيد وصهيل من العشق مازال على ربوة الوجدان يسامر الليل متى طال صبحه” فبمناسبة حلول شهر مولد الرسول الأعظم نتمنى لشاعرنا الحاج احمد الشرقي تمام العافية وموفور الصحة وكل عام و الأمة الإسلامية بخير.


نوستالجيا عن فران الدمغة بالعرائش

 


بقلم: يوسف التيجاني

كان أبي أحمد التجاني رحمه الله خبازا PANADERO وكان يلقبه RAMOS صاحب PANADERIA EL MILAGRO التي بنيت على أنقاضها عمارة إدريس الغرناطي رحمه الله المطلة على الشرفة الأطلنتيكية والسوق المركزي ب MAESTRO DE PALA ، وربما احتراما للمثل الشعبي القائل “حرفة بوك لا يغلبوك” شاء القدر أن أشتغل في الفرن التقليدي “الدمغة” الواقع بعقبة “الطوري” -اسم مشتق من البرج باللغة الاسبانية- خلال العطلة الصيفية، وهو موعد الأفراح والأعراس التقليدية فوق السطوح وفي الساحات تحت الخيام المكترية من البلدية، قبل بدعة قاعات الأفراح أو منظمي الحفلات. وهذا لا يعني أنني سأدخل هذا الفرن لأول مرة، بل إنني كنت أرتاده كزائر لصديقي سعيد أوراي رحمه الله بل وكنت أصطحب السي أحمد، صديق أبي الذي يشتغل هناك، وأنا مازلت صغيراً على متن سيارة رونو 4 لبيع الحلويات اللذيذة والمتنوعة في الأسواق، كما كانت توزع على الدكاكين أيضا وذاك هو الاختصاص الأول للفرن الذي أصبح فيما بعد قبلة لكل عائلة عريس أو عروس حيث تُقدم طلبات الخبز و” الگروص” قبل موعد التسليم بأيام، وعلى أساسها يتم ترتيب برنامج العمل بالليل والنهار.


كانت مهمتي في البداية -وأنا طالب جامعي بالسنة الأولى شعبة رياضيات فزياء- دهن “الطاوات” بالزيت لمنع التصاق العجين بها، فكنت أقضي الليل كله في هذه العملية إلى حدود الصباح حيث ننصرف ليحل محلنا فوج النهار.

بعد أسبوع شاق، لم يرقني توقيت العمل، إذ كان يحرمني من سمر الليل ولقاء أصدقائي من الطلبة. توسلت لرب العمل السي لحسن أوراي رحمه الله (انظر الصورة) أن يغير توقيت عملي من الليل إلى النهار، فوافق على الفور لأنه كان يعزني كواحد من أبنائه ويعطي للعاملين المثل بي في الجد والكفاح.

كانت فرحتي لا توصف في بداية الأسبوع الثاني، كيف لا وقد تخلصت من دهن الطاوات مادام هناك من كان يقوم بهذا العمل في فوج النهار، وهذا ما فسح المجال للترقي إلى إمداد الخباز با “طاوات” العجين من أجل الطهي. فبمجرد ما يملأ جوف الفرن، أغتنم الفرصة متسللا إلى قاعة الإعداد لتعلم أولى دروس تدوير العجين “التقريص” التي لم تكن سهلة على الإطلاق. تابعت نفس الخطة، ويوما بعد يوم يتحسن الأداء إلى أن صرت رسميا بعد أقل من شهر ضمن فوج” الدليك والتقريص” فارتفع الأجر والرتبة، ونلت تجربة ساعدتني مع مثيلاتها من التجارب في مواجهة مصاعب الحياة ومنها الطلابية يوم اضطررنا في المحنش الثاني بتطوان لإعداد الخبز بأنفسنا بالتناوب وإن كانت التجربة لم تعرف نجاحا يذكر إنما عشناها ولو لفترة وجيزة.


مع اقتراب وجبة الغذاء كنا نعيش ضغطا رهيبا، العامل والزبون على حد سواء، ويشتد الضغط كلما تسلم أحد بضاعته، فيمضي فرِحا تحت وابل أسئلة المنتظرين “هل هذا قبلنا؟” أو “هل نحن بعده؟” ويتكرر المشهد نفسه مع اقتراب وجبة العشاء وهكذا طيلة موسم الصيف.

وتبقى خبز “فران الدمغة” فريدة من نوعها حجما ولذة، وكذلك “الگروص” الذي يذوب في الفم مع أول رشفة من الشاي.

توقف نشاط “فران الدمغة” وغابت معه “الخبزة” الكبيرة الحجم “الشباعية” اللذيذة و “الكرصة” الألذ وبقيت أبواب البناية الموصدة، حارسة أمينة على فصول تلك الذكريات على أمل أن يفتح قفلها في يوم ما لإحيائها من جديد


السبت، 2 ديسمبر 2023

محمد بن عبد القادر ابن موسى أديب الوزراء.. ووزير الأدباء (سيرته وآثاره)


صدر للباحث المغربي الدكتور يونس السباح عن دار النشر سليكي أخوين بطنجة كتابه الثاني ضمن موسوعة محمد ابن موسى الأدبية التي استهلها قبل أسابيع بديوانه الشّعري، وسيتلوهما إصدار ثالث عن أعماله الأدبية النثرية المتنوّعة، بالإضافة إلى تقريره عن نقل جثمان السلطان المولى عبد العزيز من طنجة إلى فاس، الذي طبع منذ سنة، اشتمل هذا الجزء على أخبار وآثار الوزير الشاعر محمد بن موسى، ويضم مجموعة نادرة من الوثائق المتعلقة بمهامه المختلفة.

يقع الكتاب في 200 صفحة، ويتناول بالتفصيل سيرة الشاعر الوزير محمد بن عبد القادر ابن موسى المتوفى سنة 1965، والذي شغل منصب وزير الأحباس بحكومة المنطقة الخليفية بتطوان زمن الحماية، وقد عالج فيه مؤلّفه الدكتور البحّاثة يونس السباح، -الذي اهتمّ بهذه الشخصية المتفرّدة منذ سنوات، واختاره موضوعاً لنيل أطروحته في الأدب العربي – مصادر ترجمته والتّعليق عليها، واستدراك فواتها، ثمّ تحدّث عن بيت ابن موسى بمراكش وأورد جملة من الشّخصيات المنتمية إليه، أبرزهم: والده العلامة الصوفي عبد القادر ابن موسى (أحد خدّام الأعتاب الشريفة) بالحضرة المراكشية، وكذا أبناؤه، مع ما يتخّلل البحث من وثائق نادرة توجد بحوزة الأسرة.

واقتفى الباحث الدكتور يونس السباح أثر ابن موسى منذ نشأته، إلى دراسته بمراكش وفاس، مبرزاً أهمّ من أخذ عنهم العلم، ومن أجازوه فيه. وساق ضمن إجازاته نصوصاً لأبناء الصّحراء المغربية (أسرة ماء العينين) العريقة في العلم والجهاد والتّربية، والتي لها صلة كبيرة بابن موسى...وفي هذا أبرز الباحث صلة جنوب المغرب بشماله، وما يشكّل هذا الترابط من وحدة متكاملة ضمن جغرافية المغرب الفذّ بكل مكوّناته وخصوصياته وأصالته...

وفي البحث أيضاً حديث السباح عن العلاقة الكبيرة التي ربطت ابن موسى بشخصيات مهمّة في عالم السّياسة، نظراً لمنصبه الحسّاس، وعلاقاته الممتدّة مع ملوك الدّولة العلوية وأمرائها أباً عن جدّ، علاوة على مصاهرته من أسرة ابن يعيش الشّهيرة بخدمة المخزن جيلاً بعد جيل، وذلك في فترة التي عمل فيها بمدينة العرائش وشغل أمينا لديوانة مرساها.

ويطلعنا الدكتور يونس السباح في بحثه الفريد هذا عن أبرز قضايا وزارة الأحباس، وما اضطلع به ابن موسى من مهام جعلت هذه الوزارة المتفرّدة نموذجاً في النّزاهة والضّبط من خلال مجلسها المعيّن، وضابطها الشامل الذي كتبه الوزير بنفسه، وأعطى فيه رؤيته المتقدّمة حول إصلاح هيكل الوزارة، وهو العالم الفقيه الشّاعر...


الشاعر الوزير محمد بن عبد القادر ابن موسى

الدكتور يونس السباح

الأربعاء، 15 نوفمبر 2023

ديوان شعر الوزير محمد ابن موسى يرى النور لأوّل مرّة

 


صدر للباحث المغربي الدكتور يونس السباح تحقيقه لديوان وزير الأدباء وأديب الوزراء مُحمد بن عبد القادر ابن موسى (ت: 1385- 1965) وزير الأحباس بالحكومة الخليفية بشمال المغرب، وقد نشر هذا الكتاب في طبعة أنيقة عن دار سليكي أخوين بطنجة في 250 صفحة.

وبالإعلان عن هذا الدّيوان يكون قد انضاف للمكتبة المغربية نصّاً فريداً، يحدّثنا عنه محققه فيقول: (إنَّ العمل الذي أقدّمه اليوم هو جزءٌ من أدب ابن موسى الضّخم الذي ما زال بحاجة إلى كشف وعناية، وهذا القسم منه يخصّ ما أمكن العثور عليه من الشّعر فقط دون غيره، وهو حصيلة ما توصّلتُ إليه خلال تنقّلي بين الخزائن، وسؤال أهل العلم، وزيارة أرشيفات خاصة وعامة، بل وزيارة أقارب ابن موسى بمدينة مرّاكش وتطوان، والوقوف على البيت الذي ولد به، ومحاولة استخلاص بعض الأفكار حول شخصيته. ويتبعه بحول الله وقوّته سيرته المفصّلة، التي تكشف عن هوّيّته ودراسته، ووظائفه وأدبه، وأخباره وأسراره...ويتبعها بحول الله تعالى ما أمكن العثور عليه من أدبه النّثري الذي يمثّل طبقة خاصة في الأدب المغربي الأندلسي، الذي عرف شاعرنا بانتهاجه).

والديوان الذي يرى النّور اليوم، يشتمل على قصائد ومقطوعات وموشّحات تعود لفترة الحماية الإسبانية بشمال المغرب، وعلاقة الشاعر بملوكها العظام (المولى عبد العزيز – محمد الخامس- الحسن الثاني- الخليفة مولاي الحسن بن المهدي)، وكبار العلماء أمثال ماء العينين- عبد الله كنون- محمد أفيلال- عبد الله القباج- البشير أفيلال- محمد المرير...وغيرهم من العلماء ممّن كانت تربطهم صلة بالشاعر.

والنّص الذي يقدّمه الدكتور المحقق يونس السباح، والذي ابتدأ العمل فيه من سنوات مضت، يفتح مجالاً جديداً للكشف عن التراث الشعري المغربي، وتحليله وفق مناهج متعدّدة لإبراز شخصية عالم كبير، وشاعر قدير، جمع بين العلم الشرعي، والأدب المغربي الأندلسي الرّاقي، ممّا يضفي طابعاً هاماً على شخصيّة الوزير المتعدّد المشارب.

يقول العلامة عبد الله كنون في شهادته عن الشاعر بأنه: (خاتمة أدباء المغرب من الجيل الماضي الذي حرص على حفظ تراثنا الأدبي، وخاصة الأندلسي، والنسج على منواله أشدّ الحرص، فكان له قلمٌ بارع في النثر الفنّي، وملكة راسخة في نظم الشعر الجيد ... وقد ولّي وزارة الأوقاف في الحكومة الخليفية بتطوان، وهو من أسرة علمية مراكشية اشتهرت بالأدب وخدمة السلطان، وعلى ما كان له من مكانة مرموقة بين أدباء الجيل المحافظ، وعلاقاته الطيبة برجال العلم والأدب، فقد مرّ حادثُ وفاته عاديًا لم يترك صدًى في أيّ وسط من الأوساط، لا في الصحافة ولا في الإذاعة بين عموم المثقّفين، ممّا يبيّن مقام الأديب عندنا، والإهمال الذي يلقاه في حياته وبعد موته أيضًا مع الأسف الشديد).

صورة للوزير الشاعر محمد ابن موسى


صورة للباحث الدكتور يونس السباح محقق الديوان





 


الخميس، 26 أكتوبر 2023

الذكرى المئوية لميلاد المؤرخ المَعْلَمَة محمد حجي (1923-2003)

محمد حجي سليل أسرة عريقة في الصلاح والثقافة والوطنية المغربية بمدينة سلا. دَرَسَ علوم الدين والأدب والتاريخ على الطريقة التقليدية بإشراف فقهاء سلا (أمثال الفقيه مَحمد العوني، الفقيه ابن عبد النبي، الفقيه محمد الصبيحي ...)، وتعلَّم اللغة الفرنسية فنال سنة 1958 دبلوم الترجمة من معهد الدراسات العليا المغربية بالرباط (صار يُسَمَّى فيما بعد كلية الآداب والعلوم الإنسانية)، التي حصل منها على الإجازة في اللغة العربية وآدابها (1961)، وعلى دبلوم الدراسات العليا في التاريخ (1963). وفي العام 1976 حصل على دكتوراه الدولة في التاريخ من جامعة السوربون.

كان هاجس التأسيس مهيمنا على عطاءات محمد حجي التربوية والعلمية والثقافية، فقد انخرط في مجال التدريس مبكرا منذ العام 1943، إذ عمل في مؤسسات تعليمية متنوعة بسلا والرباط، كما تولى إدارة مدرسة تكوين المعلمين بمراكش، وتَقَلَّدَ وظائف مؤثرة في الإدارة المركزية بوزارة التربية الوطنية، أسهم من خلالها في تأسيس مشروع "الكتاب المدرسي"، تأليفا ونشرا، لمقررات التعليم العمومي من المرحلة الابتدائية والثانوية إلى قسم الباكالوريا (1956-1974)، كما شارك في تعريب مادتي التاريخ والجغرافيا في التعليم الثانوي ثم الجامعي، والتمهيد لتعريب مادتي الفلسفة وعلم النفس في الجامعة المغربية.

عُين أستاذا مساعدا ثم محاضرا ثم أستاذا للتعليم العالي بكلية الآداب بالرباط (بين سنوات 1965-1979)، ثم عميدا لها (1979-1981)، ثم مديرا للمدرسة المولوية (1984-1982).

يُعتبر حقلُ التاريخ الإطارَ الناظمَ للإنتاج الفكري لمحمد حجي، فرسالته عن "الزاوية الدلائية" (1963)، هي "أول عمل جامعي رصين ينشر بعد إنشاء جامعة محمد الخامس"، تجلت فيه معرفته العميقة بالنصوص وإحاطة تاريخية نقدية، مشفوعة بتحريات ميدانية ساهمت في الكشف عن الموقع التاريخي للزاوية الدلائية. وقد كانت هذه الرسالة تمرينا مونوغرافيا، أتاح لمحمد حجي في أطروحته للدكتوراه إنجاز عمل تركيبي واسع شمل الإنتاج الفكري بالمغرب في عصر السعديين تحت إشراف شارل بيلا، أظهر حجي في أطروحته عن تَبَحُّر علمي كبير، وانشغال بالجرد والتصنيف الموضوعاتي الحديث والإحاطة القصوى بالنصوص قبل وضع الإشكاليات. فانعكس هذا الوعي على الاهتمامات الكبرى لحجي، الذي انشغل أولا بالتعريف بالتراث المدون في المغرب والأندلس فهرسةً وتكشيفاً وتحقيقاً، وخاصة تراث النوازل الفقهية (معيار الونشريسي، البيان والتحصيل لابن رشد الجد، الذخيرة للقرافي، النوادر والزيادات لأبي زيد القيرواني)، وثانيا بتحقيق مدونات تراجم الأعلام والمؤلفين وسِيَرهم (دوحة الناشر، نشر المثاني، فتح الشكور، فهرس المنجور، فهرس الروداني، موسوعة أعلام المغرب ...)، كما أن اهتمامه بالترجمة كان موجها لتعريب نصوص تاريخية ذات فائدة قصوى في البحث التاريخي بالمغرب (مثل وصف إفريقيا للحسن الوزان، إفريقيا لمارمول كاربخال، فاس قبل الحماية لروجي لوطورنو ...).

وكان مما تميز به محمد حجي قدرته على إدارة العمل الجماعي، فساهم مع ثلة من الأساتذة والباحثين في تأسيس "الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر"، وتولى رئاستها (1980-2003). وقد كانت الجمعية الإطار الحاضن لمشاريع علمية وثقافية وطنية كبرى، منها إصدار دورية "الكتاب المغربي" وهي أول مجلة مغربية بيبليوغرافية نقدية للمنشورات المغربية، صدر منها 18 عددا بين سنوات (1983-2000)، ومنها أيضا -وهو المشروع الأهم الذي أُسِّسَتْ من أجله الجمعية- إصدارُ "معلمة المغرب" وهي موسوعة تحيط "بالمعارف المتعلقة بمختلف الجوانب التاريخية والجغرافية والبشرية والحضارية للمغرب الأقصى"، صدر منها في حياة محمد حجي 16 مجلدا، ثم أكملت الجمعية بعد وفاته إصدار باقي المجلدات، التي وصلت حتى الآن 31 مجلدا.

يُعتبر إنتاج وإصدار "معلمة المغربأهَمَّ مشروع ثقافي أَثْمَرَتْه الجامعة المغربية، تحقيقا لطموحٍ لطالما رَاوَدَ المثقفين المغاربة منذ ثلاثينات القرن العشرين.

لتحميل البيبليوغرافيا كاملة اضغط على الرابط أسفله

 عن مؤسسة الملك عبد الملك آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية

 chrome-extension://efaidnbmnnnibpcajpcglclefindmkaj/http://www.fondation.org.ma/assets/upload/art_548/HajjiMohamed_mars2023.pdf


 

السبت، 7 أكتوبر 2023

الاحتفاء بالمقاوم أحمد الحساني

 


تخليدا لذكرى انطلاق عمليات جيش التحرير المغربي بالأقاليم الشمالية للمملكة، نظم المركز الثقافي الإقليمي بالعرائش بتنسيق مع المكتب المحلي للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بالعرائش مساء الجمعة 06 أكتوبر 2023 بقاعة ندوات المركز الثقافي ليكسوس باب البحر لقاءً مفتوحا مع المقاوم سيدي احمد الحساني أدلى من خلالها البطل المغربي بشهادته على عصره مستعرضا بعض الصفحات المجيدة من تاريخ المقاومة المغربية عموما وفي شمال المغرب على وجه الخصوص..

شارك في تأطير اللقاء السادة الأساتذة عزيز المروني من المكتب المحلي للمقاومة، وادريس علوش من المركز الإقليمي للثقافة.


















الجمعة، 23 يونيو 2023

زيارة سفيرة المكسيك بالمغرب لمدينة العرائش

 


محمد عزلي    


بدعوة من جمعية لوكوس للسياحة المستدامة، حلت بمدينة العرائش يوم الخميس 22 يونيو 2023 معالي سفيرة جمهورية المكسيك السيدة مابيل غوميز أوليفر لحضور حفل افتتاح النسخة الأولى من أيام الأزياء والمهارات التقليدية المغربية التي تنظمتها الجمعية أيام 22 و23 يونيو

وقد قامت السيدة السفيرة بجولة زارت فيها بعض المعالم التاريخية بمدينة العرائش، حيث أخذت فكرة عن مكونات التراث الثقافي المادي والرمزي الغني، واكتشفت بعض صفحات التاريخ البحري للمغرب عموما والعرائش بشكل خاص؛ وبعد زيارتها  لفندق زلجو ومعاينتها لمعرض المنتجات الحرفية التقليدية والمجالية، ثم زيارتها للمركز الثقافي ليكسوس باب البحر وحضورها لعرض الأزياء التقليدية المغربية للمبدعة لبنى العوش، عبرت السيدة السفيرة عن إعجابها الكبير بالتنوع الثقافي المحلي واندهشت لمدى الزخم التاريخي والحمولة الثقافية والحضارية بهذه المدينة، وقد دعت بالمناسبة إلى ضرورة العمل بجهد واستماتة من أجل تثمين هذا الموروث وتسويقه واستثماره على الوجه الأمثل لتحويل العرائش بإمكانياتها الجبارة إلى وجهة سياحية عالمية..

وقبل مغادرتها للمدينة عبرت السيدة مابيل عن سعادتها الكبيرة بهذه الزيارة، ووعدت بمزيد من الاجتهاد والعمل من أجل تقوية الصداقة وأوجه التعاون بين المغرب والمكسيك في مختلف المجالات، كما وعدت بالعودة لزيارة العرائش مرة أخرى للتعرف على ما لم يسعفها الوقت في اكتشافه.

أخيرا، كلمة شكر واجبة لمعالي السيدة السفيرة على زيارتها المثمرة، ولمنظمي هذا النشاط الثقافي المميز وفي مقدمتهم رئيس الجمعية السيد عبد الرحمان اللنجري، والشكر موصول كذلك لمجلس إقليم العرائش والمركز الثقافي الإقليمي بالعرائش، وكل من شارك أو تعاون أو ساهم في إنجاح هذه الاحتفالية الثقافية البهيجة.